إن كلمة رزق أوسع بكثير من أن تكون مالا أو طعاما
وشرابا، فالإنسان إذا عرف الله فهذا رزق من الله، إذا ألقى الله في قلب الإنسان
الأمن فهذا رزق من الله، إذا ألقى الله في قلب الإنسان الرضا فهذا رزق من الله،
السكينة و الرحمة رزق من الله، الصحة و العافية و الزوجة و الذرية الصالحة رزق من
الله، لذلك الأرزاق أوسع بكثير من أن تكون مالا أو طعاما و شرابا.
الرزق هو الشيء الذي تنعم به، فنعمة الأمن من أعظم
الأرزاق، و الرضا من أعظم الأرزاق، و الصحة من أعظم الأرزاق، فإذا نجاك الله من
أمراض عضالة، من ظلم ظالم فهذا من رزق الله، و الجمال و الذكاء و القوة و الحكمة
كلها من رزق الله.
و أرزاق الله عز و جل لا تعد و لا تحصى، و لكن معظم هذه
الأرزاق يستحقها العبد بإيمانه و توحيده و استقامته، فهذا الذي يستقيم على أمر
الله له عند الله رزق وفير، و هذا الكلام
ينطبق على كل مسلم إلى يوم القيامة، و هذا الوعد فوق الظروف الصعبة، و فوق انتشار
البطالة، و فوق قلة المكاسب، جميع الظروف الاستثنائية التي تحول بين الإنسان و
الرزق تعطل مع هذا الوعد الإلهي، لكل مسلم إذا استقام على أمر الله عز وجل، و كل إنسان
يتعامل مع الله وفق هذه الآية له عند الله رزق وفير.
( عبدي، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما
أريد، و لا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد، و أنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك
ما تريد، و إن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ).
قانون التيسير:
الإنسان أحيانا
يشكو من التعسير، لكن الله يقول:
( وَمَنْ يَتَقِ
اللهَ يَجْعَلْ لْهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَا ).
( فَأَمَا مَنْ
أَعْطَى وَاتَقَى وَصَدَقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسِرُهُ لِلْيُسْرَى ).
( وَمَنْ يَتَقِ
اللهَ يُكَفِرْ عَنْهُ سَيِئَاتِهِ و يُعْظِمْ لَهُ أَجْرَا ).
ثلاث آيات جعلها
الله قانونا للتيسير.
أسباب الرزق
الرزق له سببان
رئيسيان:
1) السبب الأول: الأخذ بالأسباب:
أن أسعى، أن أخرج من البيت، أن أقرأ الصحف
التي فيها إعلانات العمل، أن أتحرك، أن أفعل كل ما يلزم للحصول على الرزق.
2) السبب الثاني: التوكل على الله:
فبعد ما أقوم بالسبب الذي يوجب لي الرزق
أتوكل على الله و أرجع أمري كله لله لأنه وحده الرزاق، لذك لما رأى سيدنا عمر
أناسا يتكففون الناس في الحج فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال كذبتكم،
المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل الله.
وسائل وأسباب زيادة الرزق:
تقوى الله تفتح
أبواب الرزق:
أحيانا كلما طرقت بابا رأيته
مسدودا، فباب الوظيفة مسدود و باب التجارة مسدود،و باب الصناعة مسدود، فالرزق
أحيانا يجعلك في حيرة من أمرك، الأبواب كلها مغلقة، هنا أقول لك: تقوى الله تفتح
أبواب الرزق، اتق الله، طبق منهج الله، و انتظر أن يفتح الله لك أبواب رزقه، هذه
آية، و لزوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، و الآية وعد: ((
وَمَنْ يَتَّق اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )).
هذا الكلام موجه للشباب، الشاب بحاجة إلى
عمل، بحاجة إلى مسكن، بحاجة إلى زوجة، و قد يتوهم أحيانا أن الطرق كلها مسدودة.
((وَمَنْ يَتَّق اللهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ )).
هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام من هو طليق
الإرادة، هذه الآية و ما فيها م وعد لا علاقة لها بالظروف كلها، ظروف صعبة، بطالة،
فرص عمل قليلة، هذا كله كلام غير مقبول.
1) الاستقامة على أمر الله:
أول أسباب زيادة الرزق الاستقامة على أمر
الله، فقد يحرم العبد بعض الرزق بالمعصية، ( وَأَلَوْ استَقَاموا على الطَريقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُم مَاءً غَدَقًا ).
2) الإيمان و التقوى:
( وَلَوِ أَنَّ أَهْلَ
القُرى آمنُوا واتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَليهم بَرَكاتٍ مِنَ السَماءِ و الأَرْض ).
فالإيمان و التقوى أحد أسباب الرزق، عليك أن
تعبد الله و على الله الباقي، أُعبُدِ الله و هو يتولى رزقك.
3) الصلاة:
من أهم أسباب زيادة الرزق، يقول تعالى:
( وَأْمُرْ أَهلك بالصلاة واصْطَبِرْ عَليها
لاَ نَسْأَلك رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقِبَةُ لَلْتَقْوَى ).
البيت الذي تؤدى فيه الصلوات بيت مرزوق، و
المحل الذي يصلي أفراده الصلوات الخمس محل مرزوق.
4) الاستغفار:
جاء رجل إلى بعض العلماء يشكو له عدم
الإنجاب، قال له: استغفر الله، إنسان آخر يشكو له من مشكلة فيما بينه و بين أهله،
قال له: استغفر الله، و إنسان سأله أن المطر لا يهطل، قال له: استغفر الله، فقال
الرجل: عجبت لك يا إمام، أو كلما سألك إنسان تقول له: استغفر الله، قال الإمام:
اسمع قول الله تعالى:
( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَكُمْ اِنَّهُ
كَانَ غَفّارًا، يُرْسِلِ السَماَءَ عَلَيِكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوالٍ وبَنينَ و يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَاتِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ اَنْهارًا ).
هذا كلام خالق السماوات و الأرض، و زوال
الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
5) إتباع سنة النبي عليه الصلاة و السلام:
( وَماَ كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ
فِيهِمْ ).
معنى الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة و
السلام إلى الرفيق الأعلى: أي يا محمد
مادامت سنتك مطبقة في بيوتهم و في أعمالهم، و
في كسب أموالهم، و في إنفاقها، و في حلهم و ترحالهم، و في أفراحهم و أتراحهم، مادامت
سنتك مطبقة فيهم فهم في مأمن من عذاب الله، فإذا عذبت أمة محمد عليه الصلاة و
السلام فهذا دليل عدم تطبيق السنة.
6) صلة الرحم:
سبب آخر لزيادة الرزق، يقول عليه الصلاة و
السلام:
(( من أحب أن يبسط له في رزقه و يُنْسَأ له
في أثره- أي في اجله- فَلْيَصِلْ رَحِمَهْ )).
أحد أسباب زيادة الرزق أن تصل رحمك، وأن تعفو
عمن ظلمك، وأي إنسان يخرج من ذاته لرعاية من حوله من أقربائه فهذه صلة للرحم.
من السذاجة أن نتوهم أن صلة الرحم أن تطرق
باب قريبك في العيد، و تسلم عليه، و تعود إلى بيتك، صلة الرحم تبدأ باتصال هاتفي،
تمر بزيارة، بتفقد الأحوال، بمساعدة، بدلالة على الله، فإذا اتصلت به و زرته، و
تفقدت شؤونه و أعنته، ثم دللته على الله فهذه هي صلة الرحم.
7) إقامة القرآن:
يقول تعالى: (( وَلَوْ أَنَهُمْ أَقاَموُا
التَوْرَاة و الإنْجِيلْ ومَا أُنْزِلَ إلَيهُمْ مِنْ رَبِهِمْ لأَكَلُوا مِنْ
فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ اَرْجُلِهِمْ )).
و يقاس على ذلك لو أن المسلمين أقاموا القرآن
الكريم في بيوتهم لأكلوا من فوقهم، و من تحت أرجلهم، هذه الآية دالة على عظمة
الله، وهذه آيات مبشرة، اقرأ القرآن الكريم، و انظر إلى البشريات التي فيه لمن
استقام على أمر الله.
خاتمة:
أيها الإخوة الكرام، لا بد من التأكيد أن
الاستقامة على أمر الله، و الإيمان بالله، و التقوى، و صلة الرحم، و إقامة منهج
رسول الله، و الاستغفار هذه كلها من أسباب زيادة الرزق، و كل واحد منا حريص على
زيادة رزقه، و لكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحا جدا هو أن الله قَطَعَ
البشر عن أن يكون لهم دور في إنهاء حياة بعضهم بعضا، و في رزق بعضهم بعضا، كلمة
الحق لا تقطع رزقا، و لا تقرب أجلا، و من ابتغى أمرا بمعصية كان ابعد مما رجا، و
أقرب مما اتقى، و ما عند الله لا ينال بمعصية الله، و مستحيل و ألف ألف مستحيل أن
تطيعه وتخسر، و مستحيل و ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، و مستحيل و ألف ألف
مستحيل أن تطيعه و تذل، و أن تعصيه و تعز، سبحانك لا يذل من واليت، و لا يعز من
عاديت، و هذه و سائل السلامة و السعادة، و زيادة الرزق، و الله سبحانه و تعالى هو
الرزاق، و لكن للرزق قواعد بينها القرآن الكريم، و بينتها سنة سيد المرسلين.
و الحمد لله رب العالمين.
من سلسلة معاني أسماء الله الحسنى للشيخ محمد
راتب النابلسي بتصرف.