01) في الحث
عن الشورى:
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( مَنْ أَرادَ أَمْراً فشاوَرَ
فيهِ و قضى، هُدِيَ لأَرْشَدِ الأُمُورْ )( الدر المنثور ص 106).
وقال:
( ما شقي
عبد بمشورة، و لا سعد باستغناء رأي )( تفسير أبو الفتوح، ج10، ص 56).
02) في الحث عن قضاء الحوائج
بالكتمان:
عن
معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( استعينوا على قضاء حوائجكم
بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود )( رواه الطبراني في الثلاثة ).
أولا دعني أقدم لك قصة
قصيرة من أرض الواقع مفادها أن أحد الأصدقاء أراد أن يتزوج يوما، فذهب إلى أقرب
أصدقاءه يستشيره في إحدى الفتيات التي كانت تعمل معهما في نفس الإدارة، و الواقع
أن الفتاة كانت في منتهى التربية و الأخلاق حتى أنه لا يكاد يختلف اثنان على ذلك، و
بالفعل أشار عليه صديقه المقرب بالزواج بها و أن لا يتررد، فما كان منه إلا أن مضى
في الأمر و تم الزواج بحمد الله.
و بعد مضي حينا من الزمن وقع أن
اختلفت الفتاة مع هذا الصديق في أمور العمل فكانت نبرة الصديق عالية نوعا ما،
فاضطرت الفتاة إلى تقديم شكوى إلى زوجها الذي سارع إلى الصديق ليستفسر منه فكان
جواب الصديق صادما جدا حيث قال للزوج بالحرف الواحد: ( أنا من أشار عليك
بالزواج بها فكيف تدافع اليوم عمن اخترتها لك ).
قد تبدوا القصة غريبة نوعا ما
لكنها تحوي عبرة و درسا في الشورى التي هي من أمور الدين و التي لا تتعارض البتة
مع مبدأ الكتمان في قضاء الحوائج إلا أنها تحتاج إلى شروط أساسية لكي لا يقع
التعارض، فالشورى إنما شرعت بقصد تحري الصواب و الوصول إليه، فطلب المشورة هو طلب
للرأي السديد فقد قيل:( من اعتصم بالمشورة نجا )، و قيل:( إذا استشرت
الناس شاركتهم عقولهم )، فالمشورة تفتح لك نظرا بعيد المدى و بصيرة شديدة
الصدى فمن جانب المشورة فقد استبد برأيه، و كم من مستبد كان مآله الهلاك، فإذا
كانت الشورى بهذه الأهمية فمن هم أحق الناس بها، و هل لي أن أستشير و أحفظ سري في
النفس الوقت؟.
الجواب: نعم، فأن تستشير
الناس لا يعني أن تفضح أمورك شرط أن تكون الشورى من أهلها فليس كل الناس يستشار،
فإذا استشرت أهلها وفقت في سداد أمرك و كتمان سرك، و إذا استشرت غير أهلها خاب
سعيك، و كشف سرك.
فمن هم ياترى أهل الشورى و ما
هي الشروط اللازمة فيهم لاستشارتهم؟؟.
إن أهل الشورى لا بد أن تتوفر
فيهم شروطا ذكرها القرآن و شرحها رسول الله عليه السلام و اتفق عليها علماء الأمة،
و من هذه الشروط :
01) أن يكون المستشار
بالغا راشدا فلا يعقل أن يستشار الطفل الصغير أو الشيخ الخرف
أو المجنون، فقد قيل: ( إياك و مشاورة رجلين، شاب معجب بنفسه قليل التجارب في
غيره، أو كبير قد أخذ الدهر من عقله كما أخذ من جسمه ).
02)
أن يكون من أهل
الإيمان و التوكل على الله، حسن السيرة و السلوك، و أن
يكون ممن يقيم أمور الله في ذاته، قال سفيان الثوري: ( ليكن أهل مشورتك أهل
التقوى و الأمانة ).
03)
أن يكون من أهل
الأمانة فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه و سلم
قال: ( المستشار مؤتمن )، و هذه هي الصفة الفاصلة بين مبدأ الشورى و مبدأ قضاء
الحوائج بالكتمان، فالأمين هو الذي يشير عليك ثم يكتم سرك لأن السر أمانة.
04)
العلم و الخبرة، فمهما توفرت في
المستشار من الأمور التي ذكرناها إلا أنها لا تعني شيئا بدون علم، قال صلى الله
عليه و سلم: ( من أُفْتِيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه، و من أشار على أخيه
بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه ).
و في هذا الحديث
تنبيه إلى صفة العلم و الأمانة فهما صفتان
متلازمتان قرينتان، فلا معنى للعلم بلا أمانة و لا معنى للأمانة بلا علم، و العلم
هنا لا يقصد به العلم الشرعي فقط، فالإمام الورع التقي العالم بأمور الدين لا يعني
بالضرورة علمه بأمور التجارة، لذلك قيل: كلٌ يستشار في علمه، فالعالم الرباني
يستشار في أمور الدين، و العالم الدنيوي يستشار في العلوم والفنون، و التاجر في
أمور التجارة و هكذا تكون الشورى برد الأمور إلى أهل الخبرة و الدراية، فقد قيل: (
كل شيء يحتاج إلى العقل، و العقل يحتاج إلى التجارب ).
05) أن يكون
من أهل الصدق و النصيحة و الإرشاد، و الأخلاق الفاضلة، قال بعض العلماء:( لا
تشاور إلا الحازِمَ غير الحسود، و اللبيب غير الحقود ).
إن الشورى بمفهومها الواسع و العميق و فائدتها الجليلة البينة، إلا
أنها لا تعني البتة أن تتوكل على المستشار في قضاء الحوائج، فإنما الشورى كما
أسبقنا الذكر هي طلب الصواب و الوصول إليه، ثم التوكل كل التوكل على الله فهو
المستعان و إليه يرجع الأمر كله، قال تعالى:( فإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَلْ عَلى
الله )، فبعد المشورة و التقصي لا بد من مآل الأمور إلى خالقها و بارئها فهو
القادر و هو قاضي الحوائج و هو المستعان في أمور الدنيا و الدين
و الحمد لله رب العالمين.
هذا و لا معنى للرسالة إن لم تصل إلى أصحابها.
ليست هناك تعليقات